الخميس، أكتوبر ٠٥، ٢٠٠٦

الهجرة من المدرجات إلى الملازم والكورسات


كثير منا بعد نجاحه بالثانوية العامة اعتقد أن مرحلة الدروس الخصوصية والملازم قد انتهت إلى غير رجعة ، وإنه لن يسمع عن فارس المادة الفلانية ولا برنس المادة العلانية، وأنه قد آن الأوان للتعلم الحقيقي الذي سنبني عليه بإذن الله مستقبلنا العملي كله بالتعلم المباشر من أساتذتنا ومعيدينا ومن مراجعنا ومعاملنا
لكن بعدما دخلنا الجامعة(وأنا أتكلم تحديدا عن الهندسة) لم تكن الصورة بيضاء ناصعة كما تصورناها
فمن أول يوم أحسسنا بلهيب معركة شرسة بين أساتذة الكلية وبين معيدين أو مهندسين عاديين يعطون دروسا خصوصية(كورسات) في الخارج أو بين الأساتذة وبين المكتبات التي توفر ورق وملازم هذه الدروس للطلبة(لأن طبعا كثير من الطلبة لا يستطيعون ماديا حضور هذه الدروس، وإن فاتك الدرس ..اشتري الورق)
ومن مظاهر هذه المعركة:
1- أن يضع أستاذ المادة درجات على حضور المحاضرات (رغم أن حضور المحاضرات أصلا اختياري ،لكن الرجل يجد أن 40طالبا حاضرين من أصل 170!!.. ربما كان معذورا)
2- أن تجد امتحان مادة يبدأ اسمها بكلمة(تصميمات..) يحتوي على 50% نظري!! والنظري من المحاضرات ليعلم من حضر ممن لم يحضر
3- الهجوم المستمر من الأساتذة على الدروس وليس هذا فحسب فقد يصل الأمر إلى التحدي المباشر كأن يقول ما معناه (خلي بتوع بين السرايات ينفعوكم) وبين السرايات لمن لا يعلم هي معقل المكتبات قريبا من جامعة القاهرة
4- حالة عدم فهم رهيبة في صفوف الطلاب –لأن الدروس والملازم كعادتها من أيام الثانوية العامة ليست من مهمتها أن تفهم لكن أن تنجح بأي وسيلة.
إلى غير ذلك من المظاهر التي لا تمثل أبدا مناخا هادئا للتعلم والتحصيل

أسباب لجوء الطلاب إلى الدروس والملازم:
المتأمل في المظهر الرابع الذي ذكرت آنفا قد يتعجب من إقبال الطلاب على هذا الأمر رغم أنه لا يحقق لهم فهما لمجالهم الذي من المفترض أنهم سيعملون فيه بعد سنوات أو شهور إن شاء الله لهم التخرج
ولكن لذلك أسباب منها:
1-: قناعة رهيبة في نفوس كثير من الطلاب في أن الكلية ليس لها أي قيمة في المستقبل ، بمعنى أننا سوف ندخل أولى هندسة بعد التخرج عندما نحتك بالسوق، وأن كل ما نأخذه في الكلية نظري واهم لا يستخدمه أي أحد ومن اعتقد في أهمية هذه الدراسة فهو في وجهة نظر الكثير مخدوع بل وربما مغفل، فالذين تشبعت هذه القناعة في نفوسهم قرروا ضمنيا أن يقضوا الكلية بأي شكل وأي صورة بفهم أو دون فهم بتعلم أو دون تعلم أو حتى بالغش ونقل الشيتات ....حتى يتخرجوا ليبدأوا في تعلم الهندسة الحقيقية من السوق بزعمهم
ومن أسباب تفشي هذه القناعة حالة فقدان الثقة الموجودة بشكل عام في المجتمع (وبالتأكيد تردي المستوى التقني للكلية وعدم حصول الجامعة على أي ترتيب عالمي له دور كبير في ذلك)
ثم مقولات – التي قد تكون ادعاءات - لبعض الخريجين العاملين بأنهم لم يستفيدوا من الكلية بشيء في عملهم وأن أول شيء طلب منهم في سوق العمل (انس كل ما درست وأبدأ من جديد) مما ولّد في النفوس كرد فعل (إذن لماذا اتعب في فهم شيء سأجبر على نسيانه بعد قليل )
وأنا لست بصدد مناقشة صحة هذه القناعة ولكني على الأقل أرى أن من الأجدر لأساتذتنا العمل على إثبات عكس هذه القناعة إن كانت خاطئة بدلا من محاربة الظواهر الناتجة عنها
2- الاستسهال
فالاكتفاء بالمحاضرات وحصص التمارين والكتب المتاحة كمصادر للفهم والتحصيل تحتاج مجهود كبير وإن كان يؤدي لنتائج رائعة، لكن ضغط الدراسة وكثرة الشيتات بالإضافة للسبب السابق- القناعة بعدم الأهمية - يجعل الكثير من الطلاب لا يرى أن لذلك مجال ولا فائدة
فيكون البحث عن كود يقول(إذا قالت المسألة كذا حل هكذا وإذا قالت كذا حل هكذا) ويكون البحث عن حل الشيتات في المكتبات أو مع الزملاء لتنقل وتسلم
وسبب هذا الاستسهال هو كسل عقلي رهيب جئنا به من الثانوية العامة إلى جانب ضغط الدراسة الرهيب (فتخيل أنك غير مقتنع بشيء وأيضا هذا الشيء مرهق جدا وأنت غير معتاد على ذلك ..فماذا ستفعل؟؟)
3- في بعض الأحيان يكون المحاضر له دور في ذلك على سبيل المثال أن لا يوفق المحاضر في توصيل المعلومة في صورة تناسب فهم الطلاب أو أن يكون كثير التحدث بالإنجليزية وهي مشكلة خاصةً لخريجي مدارس الصنايع والمعاهد الفنية أو أن يكون سريعا في شرحه فلا نستطيع ملاحقة الأفكار وحتى لو كان المنهج طويل والوقت قصير فما ذنبنا؟ وأيضا توقيت المحاضرة كأن تكون مواد التصميم في محاضرات متأخرة والمواد النظرية صباحا!!،
أو استخدام(بروجيكتور) في أشياء تتضح أكثر لو شرحت نقطة نقطة على السبورة..إلخ
4- انهيار جسور التواصل بين الطلاب وأساتذتهم ،كثير من الأساتذة يعاملون الطلاب على أنهم أولاد مدللون جاءوا إلى الكلية على ظهر نظام ثانوية عامة قد يحصل فيه غير الفاهم على 99% وكأن هؤلاء الطلاب هم الذين وضعوه
وكثير من الطلاب يرون أساتذتهم في صورة الرجل المعقد الكاره للشباب المتمتع بتعذيبهم والذي لا يريد بهم الخير، فبين هاتين النظرتين المتبادلتين كيف يخرج المبدعون؟؟
هذه الأسباب الرئيسية التي توصلت لها بتأملي في هذه المشكلة التي تنذر بمستقبل مظلم للهندسة في أمة في أشد الحاجة لشباب على مستو عال في كل المجالات ليقوموا بها وبأمورها
وإن كان كثير من الأساتذة يقولون أنهم لا يعلمون سبب هذا الظاهرة ويرجعونه فقط لكسل الطلاب وتخاذلهم، فهاهي الأسباب برؤية طالب (شاهد من أهلها) فهل سيعملون على إزالة هذه الأسباب؟؟ أتمنى

هناك ٣ تعليقات:

غير معرف يقول...

السلام عليكم
غريب أمر "الكورسات" و الدروس الخصوصية التي ذكرت خاصة في كلية هندسة (..),أظن أن الأمر راجع لنظام الكلية, أنا أيضا طالبة هندسة لكن نظام الدراسة في بلدي مختلف. فأنت تحس فعلا بأنك دخلت عالم الاحتراف و بأنك تتكون من أجل مهنة (هذا إحساسي على الأقل

غير معرف يقول...

ما شاء الله
ياريت هندسة عندنا تبقى زي عندكوا

Unknown يقول...

مقولة ان اللى اتعلمناه فى الكلية مش هنحتاجه بعد التخرج كانت أكتر مقولة اتأكدت من كذبها بعد ما اشتغلت....سواء مكتب أو موقع...اللى اتعلمناه فى الكلية هو الأساس اللى ممكن نبنى عليه أى حاجة...
وبدون هذا الأساس مستحيل الطالب يعمل حاجة بعد التخرج...أبسط مثال على هذا خريج محترف برامج ساب وستاد وسيف ولا يفقه الاستراكشر....أى نتيجة تطلعلة هيصمم عليها.بغض النظر منطقية أم لا...وعلى فكرة أنا لما اتعاملت مع البرامج فى الشغل اكتشفت كوااااااااااااارث فى النتائج...بعضها اكتشفتة وبعضها زمايلى قالولى عليه...لذا التعليم والفهم فى الكلية أساس المهندس.. على الأقل الناس تفهم الأساسيات